
الكاتب: موفق مطر – أمام المثقف الفلسطيني والعربي ما يكفي لمئة عام من الابداع انتصارا للإنسانية، فكل عائلة فلسطينية ابيدت ومسحت من السجل المدني من اصل 1206 حتى اليوم منذ اكثر من سنة قصة ورواية، وكل طفل بات الوحيد الناجي من محرقة عائلته من اصل حوالي 1700 عائلة ابيدت بقنابل وصواريخ وقذائف جيش الاحتلال قصة ورواية ايضا.
ومن يبحث عن اساطير واقعية لا خيالية فبإمكانه تصويرها باللغة التي يشاء عن وجه شيخ أو عجوز، نازح ثم نازح ثم نازح، عاش معاناة ومآىسي هجرة النكبة سنة 1948، ويعيش اليوم هول النكبة في قطاع غزة اضعافا مضاعفة، ولو اراد السينمائي بطلا لفيلم روائي او وثائقي، سيجد الآلاف في غزة، أطفالا ونساء وشبابا وكهولا.
ازدواجية المعايير
ومن يريد كشف عورة ازدواجية المعايير، وكيف تجسدت معادلة رغيف الخبز يساوي روح انسان غير المسبوقة في علوم الرياضيات والكيمياء والفيزياء ايضا، ومن يريد التعرف على أحدث نموذج للهمجية متخف برداء ديمقراطية مزيف، فليس عليه إلا التمعن لحظة – إن استطاع – بصور الأطفال والنساء والنار تأكل أجسادهم وهم احياء، وبالتأكيد سيكتشف أن لداعش الارهابية الهمجية، وللصهيونية الدينية رأسين ولسانين، لا يهم أيهما نبت أولا، الأهم أن لكليهما دماغا واحدا.
الابادة الاستعمارية
إن حملة الابادة الاستعمارية التي تنفذها منظومة الصهيونية الدينية الحاكمة في دولة الاحتلال والعنصرية (اسرائيل) تشكل بالنسبة للمثقف الفلسطيني والعربي فرصة لإظهار قدراته الابداعية الخلاقة، لتثبيت مبدأ حق الانسان الفلسطيني، ليس بالحياة والكرامة وحسب، بل حقه بالحرية والتحرر والاستقلال والسيادة، وأن هذا الحق الذي يبدو للوهلة الاولى سياسيا فقط، وهو حق مشروع حسب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، لكننا نعتبر لهذا الحق جذرا ثقافيا انسانيا حضاريا غائرا في عمق الزمان والمكان (التاريخ والجغرافيا) تكمن شواهده بالإرث الحضاري على ارض فلسطين المقدسة.
مرآة الشواهد الحضارية
ونعتقد أن حق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، وصاحب الزمان من فجره الأول وقبل وبعد بدايات تدوينه، له الحق بالحفاظ على هذا الإرث المستهدف من لصوص الزمان والجغرافيا المحترفين، فآلاف الملايين من شعوب الدنيا ترى ذاتها في مرآة الشواهد الحضارية على ارض فلسطين، وتخشى على نقاء وصفاء هويتها وثقافتها الحضارية الانسانية، إذا آلت فلسطين لغير اصحابها الأصليين الحقيقيين، خاصة أن منظومة احتلال واستعمار استيطاني وعنصري تتحدى قوانين العالم، وقرارات مؤسسات القانون والعدالة الدولية، وتستمر بحملة ابادة دموية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، في زمن ذروة ثورة تكنولوجيا الاعلام والاتصال والتواصل، أي ابادة على الهواء مباشرة !
التغيير الجذري في المشهد الثقافي العربي
حملة الابادة الاستعمارية الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني يجب ان تؤدي الى ثورة، بمعنى التغيير الجذري في المشهد الثقافي العربي بما فيه الفلسطيني والإنساني، وإن لم يحدث هذا فعلينا البحث عن اسباب تحجر العقول المبدعة، ووضع الحلول النظرية والعملية لمواجهة مناخ الموروث السلبي المتسبب للحالة! أو على الأقل البحث في الوسائل والأدوات التي تمكننا من إيصال اشعاعات التنوير الى قلب ضمائر متصقعة، فلعل اذابة الجليد المتراكم عنها يعيد اليها بعض الحياة والحيوية والتحرر من بيئة الصقيع، والتيقظ لخطر التسكع تحت مظلات حاجبة لطاقة الثقافة الوطنية الانسانية التي لابد منها لتنمية الوعي، والإدراك والمعرفة.
لقد شهدت الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية قفزة نوعية بعد انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965، وتركيز حركة التحرر الوطنية الفلسطينية على إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية بأجمل وأحسن وأرقى صورها، عندما اخذ المبدعون اشكال وأنواع التعبير الثقافي كافة، كالفنون التشكيلية، والتعبيرية، والأدب: كالرواية والقصة والشعر، وإحياء جذور التراث الفلسطيني، سبيلا نضاليا موازيا للكفاح الميداني آنذاك، ونستطيع القول بكل ثقة أن العمل الثقافي الفلسطيني والعربي الموازي والمساند قد ساهم في تثبيت مشروعية الحق الفلسطيني وشرعية نضال الشعب الفلسطيني في اطار حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، لدى كثير من شعوب العالم، فقد ساهم المبدع والمثقف الفلسطيني والعربي في تكوين جبهة انسانية داعمة ومساندة لحركة التحرر الوطنية، وسهل الدروب اما المناضل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني لانتزاع الاعتراف العالمي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، فجذر الثقافة الانسانية حياة ومحبة وسلام، والشعوب المتقدمة والحضارية معنية بانتشار هذا التعريف والمفهوم، ونعتقد أن المثقف الفلسطيني والعربي قد فهم هذه المعادلة جيدا، واستطاع تقديم النكبة الفلسطينية كمحرض على النهوض من جديد، وابتداء السير في دروب استرجاع الكرامة، فإن كان هدف المستعمرين المحتلين من النكبة الفناء لشعب بلا استثناء، فقد استطاعت حركة التحرر الوطنية الفلسطينية اقناع العالم برواية طائر الفينيق الاسطورية، التي جسدها الشعب الفلسطيني واقعا ماديا، بأحداث ووقائع شهد العالم تفاصيلها، وكنا حريصون على بلوغها بصيرته، بعد تقديمها بأجمل صورة يمكن لحواسه التقاطها والتعامل معها.