
الكاتب: د.رمزي عودة – بهذه الكلمات المعبرة، خاطب اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات أبناء عائلات الأسرى والشهداء والأهالي في مخيم جنين أثناء اقتحامات جيش الاحتلال المتكررة العام الماضي لمحافظة جنين ومخيمها.
ولم تكن هذه العبارة مجرد خطاب انشائي، وإنما قامت أجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية بالعديد من مشاريع إعادة البناء والإعمار للمخيم نتيجة لتعمد قوات الاحتلال تدمير بنيته التحتية. ولم ينقطع الحوار بين أهالي المخيم وأجهزة السلطة الوطنية على مدار السنوات الأربع الماضية من أجل وضع حلول جذرية لظاهرة «المجموعات المسلحة» التي تجوب شوارع المخيم وتسيطر عليه، وهو الأمر الذي هدد السلم الأهلي في المحافظة، وأضعف سيادة القانون، وانطوى على أبعاد اقتصادية واجتماعية خطيرة في المخيم هددت الممتلكات الخاصة والعامة، وخرقت القانون والحريات.
مما لا شك فيه أن هنالك حالة أمنية خطيرة تعصف بمخيم جنين وبعض مخيمات الشمال، وتنطوي هذه الحالة على مظاهر الفوضى والخروج على القانون وخاصة إن تركت بالتنامي والتوسع، وهي نفس الحالة التي عشناها جميعا في العامين 2006 و2007، عندما استغلت مجموعات حماس العسكرية فكرة المقاومة، وقامت بالتسلح وضرب المقرات الأمنية، وحصلت على مئات الملايين من الدولارات لتقوم في النهاية بانقلابها الأسود على السلطة الوطنية، والذي ما زلنا نعاني من آثاره حتى هذه اللحظة.
وللأسف، فإن الدعوات التي يطلقها البعض حول ضرورة وقف حملة «حماية وطن» في المخيم والدعوة الى الحوار، تتناسى عن عمد ما حدث في قطاع غزة، وهي تدرك تماما أن الحوار لم يوقف بنادق المنقلبين في عام 2007، وأن هذا الحوار الذي دعا إليه هؤلاء في عام الانقلاب أصبح مع مرور الوقت حوارا من أجل الحوار، واستمر للأسف حتى الآن، ولم ينجح في إقناع حركة حماس حتى بعد السابع من أكتوبر من أن تسلم قطاع غزة الى السلطة الوطنية باعتبارها سلطة منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن هذه الحملة الأمنية ليست موجهة الى جنين، جنين الثورة وجنين الصمود، جنين الانتفاضة الأولى والثانية، ولكنها موجهة على الخارجين عن القانون، وذلك من أجل حثهم على تسليم أسلحهتم وتسوية أوضاعهم تماما كما حدث في نابلس وغيرها من مناطق الضفة الغربية. ولا تسعى هذه الحملة الأمنية للقتل والتدمير والتنكيل بالشعب الفلسطيني في المخيم، بل على العكس، فإن طول الفترة الزمنية النسبي التي قضتها اجهزة الأمن الفلسطينية في المخيم وهي قاربت حتى الآن على الأسبوعين، هدفها الأساسي هو إقناع المجموعات المسلحة بتسوية أوضاعهم وتسليم أسلحتهم، ولو كان الأمر غير ذلك لاستخدمت اجهزة الأمن القوة العنيفة والاجتياح الشامل، ولكنها تدرك تماما أن مزيدا من الوقت والضغط الناعم سيساهم في إقناع هذه المجموعات الخارجة عن القانون بتسليم أسلحتها والابتعاد عن الضغوط والأجندات الأجنبية الممولة، والتي تريد استنساخ النكبة الثانية لغزة في الضفة الغربية.
وفي المحصلة النهائية، لا بد من التشديد على أهمية التصدي لكل هذه المحاولات العبثية من قبل البعض لإضعاف الاستقرار في الضفة الغربية، وهذا لا يعني أبدا السكون والرضا بالاحتلال، بل على العكس، فإن المقاومة الشعبية السلمية واستخدام القوة الناعمة من قبل الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية والشعبية، قد حققت في السنوات الماضية إنجازات مهمة على الصعيد الدولي من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة الى ملف ملاحقة نتنياهو وغالنت من قبل الجنائية الدولية.
إن هذا الحراك القانوني والدبلوماسي الفلسطيني أصبح مؤثرا وقادرا على التأثير على إسرائيل أكثر من أي وقت مضى. والدليل على ذلك التأثير قيام سلطات الاحتلال بالعمل على تقويض السلطة الوطنية وإضعاف أجهزتها الأمنية ومحاصرة الرئيس أبو مازن واتهامه هو والسلطة الوطنية بالإرهاب.
إن هذا خير دليل على أن هذه القوة الناعمة نجحت في مواجهة المشروع الصهيوني، وجعلت نموذج الدولة المستقلة أقرب الى التحقق، بينما في المقابل، فإن نموذج غزة دمر القطاع وشرد شعبه وبرر لإسرائيل أن تقوم بجرائمها أمام الرأي العام الدولي.